أضــــرار الـــــدعـــــــم

قد حدثتكم عن أضرار الدعم سابقاً، و بما أن الحوار الاقتصادي داخل المجموعة قد ارتقى الى مستويات أعلى و أعمق من السابق فانه قد آن الأوان أن أتعمق معكم أكثر في بحر الدعم لاكتشاف زيف مغرياتــــــــــــه و مخاطر الإبحار به.

إن أهم و أخطر أضرار الدعم هو إهدار الثروات الوطنية المحدودة من رؤوس أموال وموارد طبيعية و طاقات بشرية بدل بنائها و اتلاف بيئة العمل التجاري الحر بهذه الاقتصاديات  بدل إعمارها ، و هو نفسه الخبيث الذي  سوق نفسه لنا على انه المنقذ لاقتصادنا ، انه بحر الدعم الغادر.

الدعم هو " دعم لربحية أنشطة اقتصادية بقرار سياسي "  أو دعم للأفراد عن طريق  " دعم أسعار بعض السلع و الخدمات" و هو أيضا قرار سياسي.

فدعم ربحية الأنشطة بخفض التكاليف (دعم تكاليف العمل مثل كهرباء/ ماء / أسعار أراضي) أو برفع الأسعار (رفع الأسعار عن طريق الحماية من المنافسة المحلية بالسيطرة على أعداد التراخيص أو الحماية من المنافسة الخارجيه بالحماية الجمركية و جباية الضريبة عليها ) يعمل على رفع الربحيه في هذه القطاعات ، والتي تم تحديدها سياسياً ( ويعي الجميع تعقيد اللعبة السياسية و ضعف قدرتها على استشراق المستقبل و حاجة القرار السياسي لقبول المساومة و أن أفضل الخبراء الاقتصادين يبنون رؤاهم على تجارب الماضي و ليس استشراق المستقبل ).

و رفع ربحية نشاط مقارنةً مع الأنشطة الاخرى يتسبب بتوجه رؤوس الأموال الوطنية للاستثمار في هذه الأنشطة عن غيرها، مع كونه نشاط  غير مجدي بدون الدعم و الحمايه، و يتجاوب سوق العمل في توفير الخبرات اللازمه لهذه المهن كما تنشأ مهن و أنشطة داعمة و مكملة لهذه القطاعات بدل غيرها من القطاعات الاقتصادية الغير مدعومه.

و كلنا اليوم يدرك بان لا دعم و لا حمايه و لا تدخل اصطناعي او سياسي سوف يستمر الى الأبد ، و عند توقف الدعم تضمحل هذه الأنشطة  و تزول و تذهب معها رؤوس أموال و استثمارات الدولة في بنية تحتيـــــــــــــــــــــــة وخبرات استثمرنا في بنائها واستثمارات في أنشطة مسانده، كل هذه الإمكانيات الوطنية التي كانت   ( بدون قرار الدعم او الحماية )  ستتوجه تدريجيا الى أنشطه اقتصاديى اقل ربحيه لكنها اقدر على العمل في هذه البيئة بدون حمايه.

كذلك يتسبب الدعم و شقيقته الحمايه بخفض مستوى المنافسة ، لانها تمنع المنافسه الخارجيى و تحد من المنافسه المحلية و هي من الأسباب الرئيسيه في تعقيد الإجراءات الحكومية و زيادة حجم البيروقراطيه و تقهقر مقياس سهولة العمل بالاقتصاد لأن مع الدعم يأتي الفساد و محاولات استغلال الدعم ، إما للحصول على الأراضي المجانية أو التمويل المدعوم أو تراخيص العمالة الوافده و لمحاربة سوء الاستخدام ، تبنى أجهزة دولة للرقابه و منع الاستغلال ، حتى ينتهي الامر بأن تصبح قدرة الفرد العادي على انشاء عمل جديد منعدمه تمامًا و تكاليف الترخيص و متابعة احتياجات أجهزة الرقابه و الترخيص و توزيع الدعم مستحيله و تكلفتها أعلى من فوائد الدعم نفسه و لا يستطيع عليها إلا المتنفذ . و الاخطر بالأمر ان المتسبب بذلك كله هي الأنشطة الغير مجدية بدون دعم و المتضرر من هذا كله هي تلك الأنشطة التي لم تكن بحاجة للدعم ولكنها تدفع تكلفة ابتعاد رؤوس الأموال عنها وعن تمويلها لجاذبية الأنشطة المدعومة و التعقيد الذي دخل على الاسواق بسبب اجراءات توزيع الدعم والحماية من سوء استخدامه  بالاضافة الي أنها مضطرهّ الى شراء احتياجاتها من أنشطه محمية بتكلفة أعلــــــــــــــــــــــــى و جوده أدنى و هذا كله يقلل من قدرتها على التنافس الخارجي، فتهجرنا الأنشطة الغير مدعومه و تفلس الأنشطة المدعومة بعد زوال الدعم !!!!

إن الحماية و الدعم هي من الأدوات "الخفية المتنكرة "  للادارة المركزيه للاقتصاد في توجيه الاقتصاد       ( والتي ثبت فشلها ) فهي باسم رفع الكفاءه واستعجال التطور تتسبب بالهدر و اضاعة الفرص و التخلف.

أما بما يخص دعم المستهلك ، فقد تحدثنــــــــا بالسابق كيف ان دعم الأسعار للمستهلك ينتج عنه أضرار كبيره مثل ســــــــــــوء الاستـــــــــــــخدام والسرقة ( المواد الغذائيه المدعومه و البنزين و الديزل ) و الهدر بالاستخدام مثل دعم أسعار الكهرباء والماء للمستهلك، وهنا ايضاً تنمو البيروقراطيه الحكومية  والتي  تبنى من اجل توزيع الدعم و منع سوء استخدامه و الحث على منع الهدر.

لكننا لم نتحدث عن أثر دعم الأسعار للقرار الاستثماري للفرد ، فكهرباء رخيصه تتسبب كمثال باستثمار الأسر و المجتمعات في مباني أكبر و معدات منزليه اقل تكلفه لكنها أيضاً اقل كفاءة في استخدام الكهرباء كما ان المجتمع يمتنع عن الاستثمار في الاجهزة و المعدات المانعة للهدر والمعينة على تقليل استخدام الكهرباء والماء كمثال ، كما تمنع المستهلك من تطوير العادات الاستهلاكية الذكيه و هذا كله تضيع للثروة الوطنية ، لانه عند وقف الدعم و كل دعم له نهاية ، سوف يتوجب على المجتمع التخلص من كثير من استثماراته هذه و إعادة الاستثمار بأسلوب يتوافق و أسعار السوق لهذه السلع و الخدمات و إعادة صياغة نموذج معيشته مع عالم الحقيقة و ليس الخيال.

وعليه ان كان لابد من الدعم للأفراد فليكن دعم مالي بدل خدمات مجانية او أسعار مدعومة ، فانه يمنع الاستثمار الغير صحيح للأفراد والأسر ويمنع تطور أنماط الاستهلاك و المعيشه الغير قابله للاستمرار لأنه يحفز على كفاءة الاستخدام ( كون الفائض من الدعم النقدي يدخل في جيبه )  و عند تطبيق أسلوب الدعم النقدي  على الخدمات العامه مثل الصحة و التعليم ( بحيث تدعم الدولة بوليصة تأمين صحي أو توفرها مجاناً وتدعم فاتورة التعليم الخاص ) يسمح هذا بتطور الاسواق و المنافسه و مستويات الخدمة . علماً بان كل انواع الدعم سوف تتعرض للاستغلال ، ان كان بقوائم مستفيدين متوفين أو تآمر الفرد مع مزوّد الخدمه للتحايل على الدولة و غيره ، لكنها تبقى أقل أساليب الدعم ضرراً. 

العالم العربي الجدید

قادت مصر العالم العربي بدون منازع منذ أواخر العهد الملكي الى نهایة فترة حكم عبدالناصر، وخلال تلك الفترة كان للعمل العربي صوت واحد وقرار وقیادة یدعمها أكبر اقتصاد عربي في حینه، الى أن نخرت الاشتراكیة بهذا الاقتصاد فبدأ یتآكل وتنكمش أهمیته النسبیة وحصته من الاقتصاد العالمي والاقلیمي.

خلال هذه الفترة من تاریخ الأمة العربیة انكمشت الأهمیة النسبیة لمجموعة من الاقتصادیات العربیة وانكمش معها ثقلها السیاسي والعسكري وكان ذلك بشكل أساسي ، بسبب انغلاقها الاقتصادي ، وتركیزها على الملكیة العامة والمركزیة الإداریة وتجاهلها بل محاربتها لقوى السوق والملكیة الخاصة . فضعفت تلك الدول وانعدم أثرها وانشغلت في حل مشاكلها الداخلیة الناتجة عن هذا الت ا رجع الاقتصادي وأهم هذه الدول مصر والعراق وسوریا ، بالإضافة طبعاً للیبیا والجزائر .

بالوقت نفسه حافظت مجموعة أخرى من الدول العربیة على الحد الادنى من الاستقرار السیاسي والامني وشجعت أو حافظت على السیاسات الاقتصادیة المعتدلة والمحفزة والحد الادنى من الانفتاح على العالم وتشجیع المنافسة والملكیة الخاصة وح ریة حركة رؤوس الأموال فنمت وزادت من أهمیتها الإقتصادیة.

النسبیة وعلیه أثرها بالقرار السیاسي العربي. وأهم هذه الدول هي دول المجموعة الخلیجیة بقیادة السعودیة، والتي استفادت من كل العوامل المذكورة أعلاه بالاضافة الى ثروتها النفطیة المتزایدة فقفزت حصتها من الناتج القومي العربي الى حوالي 40 %، هذا بالاضافة للأردن في بلاد الشام والمغرب في شمال افریقیا.

وكان للقفزة الكبیرة للاقتصادیات الخلیجیة والانحدار المستمر للدول السابق ذكرها إن تعاظم دور البعض وتقلص دور البعض الآخر، الأمر الذي أدخل العالم العربي منذ عهد السادات الى عاصفة الحزم في مخاض انتقال قیادة العمل العربي المشترك ، بدأت بفترة انتقالیة حرجة نازعت فیها بعض الدول العربیة مصر لمحاولة ازاحتها بالقوة والاستیلاء على مسؤولیة قیادة العمل العربي ، منها العراق تحت حكم صدام حسین . وهي فترة لم تكن مصر مستعدة لتسلیم القیادة ولكنها لم تكن قادرة على اعبائها كما لم تكن السعودیة مدعومة بالمنظومة الخلیجیة مستعدة أو راغبة لتحمل مسئولیة القیادة بعد ، ولم تصل الفروقات بالناتج القومي الكلي لإقتصادیاتها بعد الى ما هي علیه الیوم . فمر العالم العربي في مرحلة تخبط وفوضى العمل العربي المشترك بدون قیادة واضحة وحاسمة.

أما الیوم ومع عاصفة الحزم سلمت مصر رسمیاً السعودیة ( مدعومة بمجلس التعاون ) مسئولیة قیادة العالم العربي للمرحلة القادمة ، كما قبلت السعودیة رسمیاً استلام هذه المسئولیة ، وبارك العالم العربي كله هذا الانتقال ولم یعد للمشاغبین والمنازعین بالعالم العربي وجود أو أثر اقتصادي ( مثل لیبیا معمر وعراق صدام وسوریا الاسد).

أما داخل مجلس التعاون فكانت القیادة دائماً للمملكة العربیة السعودیة ولكن حصل تغیر بالمركز الثاني حیث كانت الكویت تشغر هذا المنصب كونها كانت تملك ثاني أكبر اقتصاد خلیجي ولكنها خلال خمسة عشر سنة الماضیة خسرت تدریجیاً هذا المركز لدولة الاما ا رت العربیة المتحدة التي وصل حجم اقتصادها الیوم الى ضعف حجم الاقتصاد الكویتي . ویمكننا ملاحظة ذلك في تقلص الاهمیة الاقلیمیة والعالمیة والخلیجیة للكویت ومعها قدرتها العسكریة النسبیة وأثرها السیاسي . فإذا ما نظرنا الى مساهمة الدولتین في عملیات عاصفة الحزم فقد قدمت الامارات 30 طائرة بینما قدمت الكویت 15 طائرة ( الامارات ضعف حجم الكویت اقتصادیاً وعلیه عسكریاً ) . والسبب لهذا التقدم الاقتصادي الاماراتي والتراجع الاقتصادي الكویتي هو تماماً نفس الأسباب التي أدت الى تراجع مكانة مصر والعراق وسوریا ولیبیا والجزائر، الملكیة العامة ( الاشتراكیة الاقتصادیة ) ، وسیطرة الدولة على الاقتصاد یقابلها في دولة الإمارات العربیة المتحدة الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتشجیع رؤوس الاموال الخاصة المحلیة والاجنبیة والتركیز على التنمیة عبر الملكیة الخاصة في أجواء تنافسیة.

أما اقلیمیاً فإن القوى الاقلیمیة الخاسرة والمتراجعة لنفس الاسباب المذكورة أعلاه هي ايران ، حیث تقلصت الاهمیة النسبیة للاقتصاد الايراني اقلیمیاً وعالمیاً ، من قمته في عهد شاه ايران ، الى أن وصل الى ما هو علیه الیوم . فالاقتصاد الايراني في انحسار نسبي مستمر ، تماماً مثل ما حصل للإقتصاد المصري ، ولیست العقوبات الدولیة هي السبب ولكن السیاسات الاقتصادیة الشعوبیة والهدر والملكیة العامة والانعزال الاقتصادي ، ومحاربتها للملكیة الخاصة والاستثمار الاجنبي . وتسبب ذلك كله بهبوط ايراني من القوة العسكریة الاقلیمیة المسیطرة بوضوح ( شرطي الخلیج أیام شاه ايران ) الى ايران التي لم تستطع مساعدة الحكومة العراقیة والحشد الشعبي حتى على مواجهة هجمات داعش لعدم قدرة سلاح الجو الايراني توفیر الدعم لها ، فأضطر خصوم ايران اقلیمیاً للتدخل بتوفیر الغطاء والدعم الجوي للجیش والشرطة العراقیة والحشد الشعبي حتى یتمكنون من مواجهة داعش ، لإبقاء المواجهة متساویة حیث ساهمت الاردن والامارات والولایات المتحدة وفرنسا في هذا الدعم الجوي.

ايران التي خسرت العراق لأنها غیر قادرة على دعمه عسكریاً أو مالیا ، فحتى عندما كانت ايران تملك حكومة المالكي ، كانت تملكها بدعمها السیاسي عن طریق الاحزاب الموالیة لها ولكنها كانت تكلفة مالیة على الحكومة العراقیة . حیث استخدمتها للإلتفاف على العقوبات الدولیة وحملتها مسئولیات مالیة لدعم استراتيجتها الاقلیمیة مثل دعم سوریا الى آخرة..

ايران صاحبة الاقتصاد المتهاوي والتي مدت أرجلها أبعد من سعة لحافها ، لا تملك الیوم القدرة على المحافظة على المواقع التي وطئتها . فالعراق الیوم یحتاج الى الولایات المتحدة ودول مجلس التعاون والعالم العربي لتوفیر الدعم العسكري وبالأخص الغطاء الجوي له لمحاربة داعش وضمان أمنه الداخلي والخارجي.

كما أنه بحاجة لهذا التحالف للمحافظة على العراق الجدید المؤلف من ثلاثة أجزاء ( الشمال والوسط والجنوب) أجزاء لا یمكنها العمل سویاً أو الثقة في بعضها البعض بدون ضمانات أمریكیة وخلیجیة . كما یحتاج العراق الى الدعم الاقتصادي من الغرب والخلیج والقوة الاقتصادیة الجدیدة بالمنطقة تركیا.

هذا كله وايران لا تزال في منتصف الانزلاق الاقتصادي فلا يزال أمامها ربیع ايراني ، والعودة للانفتاح

العالمي وتحریر الاقتصاد وتخصیص ما استملكته الدولة الى آخره ، أنه طریق طویل یبدأ في الوصول الى نقطة التوازن أولاً ووقف النزیف ، ثم الحصول على الاجماع الاجتماعي والسیاسي للسیر في طریق الخصخصة والانفتاح والتوسع بالملكیة الخاصة الى أن تصل الى نسبة النمو السنوي الى أعلى من مثیلاتها إقلیمیاً لكي تعوض بعض ما فقدت . وعلیه فإن أثر ايران اقلیمیاً وعالمیاً للعشرین سنة القادمة سوف یكون بانحسار نسبي مستمر وستكون أقل تأثيراً في تشكیل التطورات الإقلیمیة والعالمیة . وسینعكس ذلك على حلفائها اقلیمیاً ، فها هي قد خسرت الع ا رق وموقع قدمها في الیمن وب أ ري سوف تواجه نفس المصیر في

سوریا ، كما خسرت حماس في فلسطین والسودان ، أما حزب الله في لبنان فسوف تنحسر أهمیته النسبیة في

لبنان بسبب خسائره في سوریا وانخفاض الدعم المالي الايراني وسوف تخسر ايران أثرها إقلیمیاً مع عودة

القیادة الشیعیة العربیة التقلیدیة لقیادة الشیعة العرب كما كان الحال قبل ثورة الخمیني في ايران والتي برأي هي الخطوة القادمة مع تراجع ايران وخسائرها المتتالیة إقلیمیا. 

أما اقلیمیاً فالكاسب الجدید هي تركیا ، والتي تملك الیوم اقتصاد أكبر بقلیل من الاقتصاد السعودي ( ولو بمتوسط دخل فرد أقل من الثلث ) اقتصاد نما بشكل كبیر خلال 15 سنة الماضیة الى أن وصل الیوم الى المركز 14 عالمیاً . ومع هذا النمو الاقتصادي ، نما نفوذها اقلیمیاً وعالمیاً وبدأت أجزاء من عالمنا الاقلیمي ترتبط بالاقتصاد التركي بشكل كبیر منها الكتلة الكردیة والتي لن تجد مفر من الارتباط بالاقتصاد التركي أكبر من ارتباطها بالاقتصادیات العربیة كما ستجد دول مثل سوریا ولبنان وايران الحاجة لزیادة ارتباطها بهذا الاقتصاد الكبیر والمتنامي.

إذا ما أضفنا لهذا التغیر بمسئولیة قیادة العمل العربي المشترك ، التغیرات في ميزان القوة بالدول العربیة والإقلیمیة ( الانحسار النسبي لمصر وسوریا والعراق والجزائر ولیبیا عربیاً ، والانحسار النسبي لقوة ايرن الاقتصادیة وما یتبعه من انحسار قد ا رتها العسكریة وثقلها السیاسي وبروز تركیا كقوة اقتصادیة ومن ثم عسكریة وسیاسیة اقلیمیاً وعالمیاً ) والتغیر في الوعي العام للإدارة السیاسیة بالعالم العربي وفي تطلعات وثقافة ومتطلبات الشارع العربي كنتیجة لحراك الربیع العربي.

فإن العالم العربي لاشك قد عبر النقطة الادنى في تاریخه المعاصر وقد بدأ فترة جدیدة من لم الشمل والبدأ بالترمیم وإ عادة البناء ، تحت قیادة جدیدة وأولویات تنمویة جدیدة وقدرة أكبر على التاثیر على محیطه والمساهمة بتشكیله .

وقد بدأ العالم العربي بقیادته الجدیدة فعلاً بالمهمة الاولى وهي بناء الاجماع لأجل وقف النزیف والتمدد الايراني بالعالم العربي واستعادة ما تم خسارته خلال السنوات الماضیة مع الاستمرار في استنزاف ايران المرهقة اقتصادیاً وعسكریاً وسیاسیاً واجبارها على التراجع .

فقد كان الإجماع العربي واضح بمؤتمر القمة الأخیر ، حیث لم یحصل العرب على مؤتمر قمة بهذه السرعة وهذا الاجماع وهذا التقید بالجدول ورقي الحوار ومستوى القرارات منذ عهد بعید.

أما على مستوى إعداد الجبهة الداخلیة ومواجهة المد الايراني فقد تم السیطرة على مصر ومنعها من الانزلاق الى الفوضى السیاسیة والاقتصادیة واغلاق الفرصة أمام ايران للتدخل هناك ، وجعلها دعم للمجهود العربي لمواجهة ايران بدل ان تكون منطقة فوضى تشغل المشروع العربي.

كما تم وأد مشروع ايران بالیمن في بدایته وبتنظیم عسكري وسیاسي وإعلامي لم یسبق للعالم العربي أن حققه . وحشرت ايران بین إجماع عربي ودولي واقلیمي واضح ضد تدخلها في الیمن مما شل قدرتها على ردة الفعل وأ قفل علیها من ثلاث جبهات ( الشرق باكستان والشمال تركیا والغرب مجلس التعاون ) في حال فكرت في عمل عسكري ، بالاضافة لضمان دعم أوروبا والولایات المتحدة وتحید روسیا.

كما ظهر بوضوح شلل وضعف القدرة العسكریة الایرانیة في عدم قدرتها على المحافظة على العراق أو دعمه للقضاء على " داعش " لضعف سلاح الجو الايراني . وعلیه فإن ايران التي لا تملك القدرة على توفیر الغطاء الجوي اللازم لدحر " داعش " لا قدرة لها على حمایة بحریتها أو الهجوم على جيرانها أو دعم حلفائها عبر المسافات . بالمقابل ظهر التطور الكبیر للقدرة العسكریة الخلیجیة والسعودیة بالاخص في سلاح الجو والقیادة والتنظیم والدعم اللوجستي وغیره.

وبدأ العرب باسترجاع العراق من فم ايران ، وأدرك العراقیون جمیعاً أنه لایوجد مستقبل مستقر للعراق ووحدته الوطنیة وحدوده إلا بضمانات ودعم امریكي خلیجي عربي مشترك . كما أن إزدهاره الاقتصادي سوف یعتمد على الانفتاح على المجموعة الخلیجیة والعربیة وتركیا من جهة والغرب من جهة أخرى .

كما استعاد العرب السودان وحماس وبدأوا بإنهاك والقضاء على المنظمات والانظمة الداعمة لايران بالعالم العربي ، فهذا هو الحوثي یقضي علیه وهذا حزب الله اللبناني یستنزف بالحروب الاقلیمیة بشریاً ومالیاً وداعمه الاساسي ینحسر اقتصادیاً وسیاسیاً ، وهذا النظام السوري أخذ في الاضمحلال ، كما بدأت نواة منافس قدیم متجدد لقیادة القوى الشیعیة بالعالم العربي ، فها هي القیادة العربیة التقلیدیة للشیعة العرب آخذه بالعودة الى الواجهة لتعید الاستحواذ على قیادة الجماهیر الشیعیة بالعالم العربي بدل لايران ومندوبیها.

إن المستقبل مبشر للعالم العربي الجدید ، فبعد هذه السنوات العجاف الطویلة ، ومع بدأ الاستقرار الجدید بالیمن والعراق وإ ن شاء الله بسوریا الجدیدة ، سیبدأ العالم العربي فترة استقرار ، تركز على التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة وإ عادة البناء ولعب دور ایجابي ومؤثر اقلیمیاً وعالمیاً . تحت قیادته الجدیدة والتي في طبیعتها لا تملك أجندة سیاسیة أو اقتصادیة غیر الرغبة بالاستقرار والتنمیة . فترة ستكون ايران فیها مشغولة داخلیاً بإعادة ترتیب بیتها الاقتصادي والاجتماعي ومواجهة استحقاقات الربیع الايراني القادم . مستقبل تتحول فیه الجهود للتنمیة بدل التنازع على قیادة العمل العربي أو القیادة الاقلیمیة . تطورات لم تكن برأي لتحدث بهذه السرعة لولا الهزة التي أحدثها حراك الربیع العربي مع كل سلبیاته ، إن كان في إزاحة الانظمة العربیة المعیقة للإجماع الجدید أو إغراء ایران للتحرك بسرعة والتوسع بأكبر من قدرتها على استیعاب ودعم هذا التوسع الذي كشف مخططاتها وأنهكها وأضعفها وكشف ضعفها العسكري وأخيراً أثره بالفكر العربي العام على المستوى الشعبي والقیادي.